عودة اللبناني إلى صناعة الأدوية العشبية
عادت أسماء بعض الأعشاب البرية وأوراق الأشجار، التي كانت تستخدم لمعالجة بعض الأمراض، إلى ألسنة الأهالي، لا سّيما المزارعين المخضرمين الذين خبروا تلك الحقبة القديمة من الزمن، عندما كان طب الأعشاب ملجأ الأهالي شبه الوحيد لمعالجة الأمراض المختلفة. لقد تغيّرت أحوال الناس “اختفت الأدوية من الصيدليات، والموجود منها أصبح صعب المنال نظراً لارتفاع الأسعار” يقول فادي عليان (مرجعيون)، الذي اضطرّ إلى قصد بعض الخبراء الزراعيين، “على أمل الحصول على دواء فعّال من الأعشاب البرية المعروفة”، في بعض القرى الجنوبية العديد من المزارعين الذين يعملون على تقطير الأعشاب التي تستخدم عادة في الطعام أو لمعالجة الأمراض الصدرية والجلدية وغيرها، فيشير المزارع أحمد موسى، ابن بلدة بليدا (بنت جبيل) أن ” تقطير النباتات والاعشاب، لا سيّما الورود البرية والزعتر هي طريقة واضبنا على اتباعها، للحصول على ماء الورد وماء الزعتر وأحيانًا بعض المراهم العشبية، وكنا نبيع بعضها ونحتفظ بالبعض الآخر، لكن ما يحصل اليوم أن الطلب عليها ارتفع بشكل كبير، فالأهالي لا يستطيعون شراء الأدوية ويريدون منا تأمين البديل”.
يلفت موسى إلى أّن “انقطاع عدد كبير من الأدوية من الصيدليات، إضافة إلى ارتفاع أسعارها، وقلّة رأسمالنا، حرمنا من شراء الأدوية الملحّة وغير الملحّة، الأمر الذي جعلنا نعمل بنصائح كبار السنّ”. لذلك باتت أسماء أنواع من الأعشاب وأوراق الأشجار تعود إلى مسامع الأهالي في بنت جبيل ومرجعيون.
يروي حسن عياد (بنت جبيل) أنّه قصد عددًا من الصيدليات للحصول على دواء لمعالجة مرض التهابات العيون فلم يجد حاجته، إلى أنّ طلب منه صاحب إحدى الصيدليات الوصول إلى إحدى محلّات الأعشاب البرية، فيقول ” قدّم لي صاحب محل الأعشاب عشبة البابونج، وطلب مني غليها بالماء ومن ثم استخدام الماء بتنظيف العين الملتهبة لعدّة أيّام متتالية”.
المزارع محمد عمّار يقول “بسب غلاء ثمن الأدوية نصحني والدي بغلي الزعتر البرّي وثمار الشومر وأوراق الكينا، لمواجهة السعال والالتهابات الصدرية” ، ويلفت إلى أنّ “العديد من المزارعين باتوا يجمعون الأعشاب البرية وزراعة ما تيسّر منها”. امّا الاستاذ طارق ياسين (مجدل سلم)، فهو يعمل على تقطير العديد من الأعشاب، ويجمع ماءها، إضافة إلى زيوتها، التي يصنع منها بعض الأدوية الشعبية، “ليس للتجارة، بل للاستعمال المنزلي”، لكن ما يحصل أنّ “الكثيرين من الأهالي باتوا يسألون عن طريقة تحضيرها، ويأخذون جزء من الأدوية والمراهم التي أعمل على تصنيعها لنفسي”.
في حديقة منزله، جهّز ياسين آلة لتقطير الأعشاب “هي آلة بسيطة يسهل صنعها، لكن تحتاج إلى قليل من الخبرة، أمّا الخبرة الأهم فهي تتعلّق بكيفية اختيار الأعشاب المناسبة، أمّا لصناعة العطور، مثل الورود واللاّفندر، وإمّا لصناعة المراهم والأدوية المكافحة للالتهابات والسعال وأوجاع المعدة مثل الزعتر والشومر والكينا”.
يذكر ياسين حينما حضرت امرأة إلى منزله، ومعها خادمتها الأفريقية، التي كانت تعاني من جرح في خدّها بسبب الالتهابات الناجمة عن التقاط فايروس أثناء إقامتها في أفريقيا، فيقول “طلبت منها أن تذهب إلى إحدى المستشفيات، لكنّها رفضت، مطالبة بدواء مصنّع من الأعشاب الطبيعية، فعملت على تقديم مرهم مصنّع من بعض النباتات البريّة، وبعد حوالي الشهر، التقيت بالمرأة وخادمتها، فشاهدت أنّ الجرح قد عولج بالكامل، ولمّا سألتها قالت بسبب الدواء العشبي”.
حالات كثيرة مشابهة يرويها ياسين، لكنّه يؤكد على “أنّ ما يصنعه ليس للتجارة بل للاستعمال الشخصي” لكنّه ينصح الجميع بتقطير الأعشاب المفيدة، والاستفادة منها.
داني الأمين